مصدر قوة الشعوب الأول
أحسن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، بإقامة لقاء “التعايش المجتمعي وأثره في تعزيز اللحمة الوطنية”، الذي أقيم في الرياض خلال المدة من 29 صفر إلى 2 ربيع الاول 1438هـ ، ذلك أن التعايش مصدر قوة الشعوب، وعليه قامت حضارات اليوم.
تضم التجمعات البشرية الكثير من التنوع في الأعراق والأطياف والألوان؛ ما جعلها متباينة في الثقافات واللغات. وقد ساهم هذا التنوُّع في تشكيل المجتمعات على شكل شعوب وقبائل وحضارات مختلفة لا زالت تحتفظ بطابعها الخاص على مر الزمن؛ فالتنوُّع البشري سنة من سنن الكون الباقية، برغم وحدة الجنس البشري وأصل الخلق. وهذا التنوُّع لا يتنافى مع حكمة الخلق وإعمار الأرض، بل هو أمر طبيعي ولازم لاستمرار الحياة على وجه الأرض.
ولعل هذا التباين والتنوُّع يقابله مدنية الإنسان بطبعه؛ فالإنسان محتاج دوماً للآخر ولا تستقيم أموره دون الاستفادة من الآخرين، وهذا ما أدّى إلى تشكُّل المجتمعات ووجود ضامن طبيعي يضمن بقاءها وقوتها مهما تنوعت الأصول والأعراق والثقافات، وهذا الضامن هو الاندماج الاجتماعي الذي يحقق الاستمرارية لتلك المجتمعات، متى ما كان قائماً على المشاركة والمواطنة الفعلية، والقيم المشتركة.
في أوساط دولية مختلفة، يبرز اقتراح جاد لإقامة إدارة أو وزارة خاصة للتعايش المجتمعي في جميع البلدان، على نفس شاكلة وزارات البيئة التي أنشئت عام 1970, ذلك أن تعلُم العيش المشترك في المجتمعات لا يسقط من الفضاء، ومن الواضح أن التعايش هو سلوك مكتسب، وهو ما يتطلب عملية مستمرة من التعلُّم في المدرسة وعلى حد سواء داخل المجتمع ككل، وهذا يتطلب الهياكل والمؤسسات التي تدعم وتعزّز التعايش من خلال العديد من المشاريع والبرامج. وعلاوة على ذلك، فإنه يتطلب تمويل هذه الجهود والالتزام من قبل الحكومات المركزية.
والمثال الممتاز على هذه الجهود، هو عمل مجلس العلاقات المجتمعية في إيرلندا الشمالية، والتي التزمت فيه الحكومة بموارد للمجلس لتعزيز التعايش الاجتماعي، ومثل هذا النموذج قد يتكرَّر في بلدان أخرى، كما يمكن أن يكون هناك التزام حكومي بالموارد المقدمة لمثل هذا النموذج، لكي يكون فعالاً.
إن تعزيز التعايش الإيجابي بين الدول وبين الشعوب، يشكل تحدياً رئيسياً للقرن الـ 21، ولحسن الحظ هناك اليوم مجموعة من الحركات الاجتماعية قد بدأت في التعامل مع هذه القضايا، سواء على الصعيد الدولي أو الوطني أو على المستوى السياسي ومستوى المجتمع المحلي.
التعايش ببساطة يعني التعلُّم للعيش المشترك والقبول بالتنوُّع، بما يضمن وجود علاقة إيجابية مع الآخر. فلقد عرفت هوياتنا العلاقة مع الآخر، فعندما تكون العلاقات إيجابية وعلى قدم المساواة معه، فإن ذلك سيعزّز الكرامة والحرية والاستقلال، وعندما تكون العلاقات سلبية ومدمرة، فإن ذلك سيقوّض الكرامة الإنسانية وقيمتنا الذاتية وبالتالي اختلال الأمن الاجتماعي وانحسار التنمية.
وهذا ينطبق على الفرد والجماعة والعلاقات بين الدول، فبعد أن شهدنا حربين عالميتين وحروباً لا حصر لها من الدمار والإبادة الجماعية، صارت مسألة تعزيز التعايش على جميع المستويات أمراً ملحاً اليوم في ظل ما تشهده المجتمعات من حراك اقتصادي سريع واندماج مباشر وغير مباشر لا يمكن القبول بغيره.