مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة في دورته الخامسة يتناول التقنيات الحديثة وأثرها فى هذا المجال
انطلقت تحت عنوان “التقنيات الحديثة وأثرها على الترجمة” فعاليات الدورة الخامسة لمؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة الذي تنظمه هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة ضمن فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته السابعة والعشرين، واستهلت فعاليات المؤتمر بفيلم تسجيلي رصد مسيرة مشروع كلمة منذ تأسيسه كمبادرة أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عام 2007، ثم جاء إطلاق المشروع للمؤتمر أبوظبي الأول للترجمة عام 2012 ومصاحبته لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب كتظاهرة ثقافية تدعم استراتيجيات وخطط هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة ترجمةً لرؤية أبوظبي 2030، وقد أعقب ذلك عزف موسيقي لفرقة الصين.
وقد أوضح عبد الله ماجد آل علي، المدير التنفيذي لقطاع دار الكتب بالإنابة في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في كلمته الافتتاحية “أن مشروع “كلمة” للترجمة في قطاع دار الكتب في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة والذي انطلق في العام 2007 تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يهدف إلى إحياء حركة الترجمة في العالم العربي ومد جسور التواصل الثقافي والحضاري بين الشعوب ليشكل جسراً للحوار والانفتاح والتسامح الإنساني، ومن منطلق هذه الأهداف السامية والنبيلة، يسعى مشروع “كلمة” إلى ترسيخ قواعد العمل الجاد وتعزيز حركة الترجمة إلى العربية، من مختلف اللغات العالمية الحية، لتقديم خيارات واسعة من أمام القارئ العربي وتعويض النقص التي تعاني منه المكتبة العربية في كافة مجالات المعرفة”.
وأكد آل علي أن هذه الدورة لمؤتمر الترجمة هذا العام تحظى بأهمية خاصة كونها تتزامن مع مرور عشرة أعوام على انطلاقة مشروع “كلمة”، أصدر خلالها نحو 1000 كتاب، تمت ترجمتها عن أكثر من 13 لغة، ونجح في بناء شبكة علاقات واسعة مع ناشرين ومؤلفين من مختلف أرجاء العالم، وحصد عددا من الجوائز الثقافية المرموقة.
وقال آل علي: “إنّ مؤتمر الترجمة سعى منذ دورته الأولى في عام 2012 إلى تسليط الضوء على الواقع الراهن لحركة الترجمة من العربية وإليها وبلورة استراتيجيات تنهض بعمليات الترجمة وتوسع حركتها، كما اهتم بتعزيز مهارات المترجمين من خلال تنظيم ورشات عمل تهدف إلى توفير حلول عملية للتحديات والصعوبات التي يواجهها المترجمون عند نقل النصوص من اللغات المختلفة من العربية وإليها. وفي دورته لهذا العام، يتناول المؤتمر من خلال ورش العمل والندوات الحوارية سبل استخدام وتطبيق التقنيات الحديثة في الترجمة، وغرس المهارات الفنية اللازمة لترجمة النص من لغته الأصلية إلى اللغة المستهدفة دون المس بخصوصية اللغة المستهدفة وسياقها اللغوي والثقافي”.
وختم آل علي مؤكدا على “أنّ مشروع كلمة ينتظر بشغف كبير نتائج وتوصيات هذا المؤتمر ليسترشد بها في مسيرته، مسيرة النهوض بحركة الترجمة وتطويرها”.
وأعقب كلمة عبد الله ماجد آل علي بدء الجلسة الأولى الافتتاحية للمؤتمر التي أدارها الباحث السعودي سلطان بن موسى الموسى، حيث طرحت على المشاركين عددا من التساؤلات حول المسائل المتعلقة بالتقنيات الحديثة وما لها من أثر على الترجمة وعمل المترجمين، وقد بدأ الحوار بمدير إدارة خدمات الدعم بمنظمة اليونسكو خديجة زاموري ريبس، التي قالت إنّه بالنسبة لليونسكو كمنظمة متعددة الأطراف هي ركيزة أساسية لتأمين الرسائل بين الدول الأعضاء، ومهمة إجبارية على المنظمة لتأمين التعدد اللغوي الذي تعمل به منظومة الأمم المتحدة إجمالا.
وكشفت ريبس عن ثلاثة تحديات تواجهها المنظمة الأممية، أولها قلة الموارد لتأمين هذه الوظيفة وهذه المهمة، مما يجعلها غير قادرة على الحصول على عدد المترجمين الذي يكفل تأمين هذه المهمة، ويجعلها تلجأ إلى وكالات الترجمة والمترجمين الخاصين، وهذا يشكل صعوبة بالنسبة للمنظمة لأنها تحاول بعد الترجمة الأصلية أن تراجع كل هذه الأعمال، مما يتطلب مجهودا إضافيا بالنسبة للمترجمين والأقسام المهتمة بالترجمة. أما التحدي الثاني للمنظمة فهو تأمين الحياد اللغوي في ظل الأولوية التي تعمل عليها، وهي أولوية المساواة بين الجنسين، أي كيف نضمن أن التأنيث والتذكير يكون موجودا بصورة آلية في كل ما تنتجه المنظمة وذلك لضمان الحياد اللغوي بصفة عامة. بينما يتمثل التحدي الثالث في ضمان تناغم وتوحيد المصطلحات في اللغة الواحدة، لنأخذ مثلا اللغة العربية المصطلح الواحد يمكن أن نجد له العديد من الكلمات وهذا في حد ذاته يبدو ظاهرياً جميلاً لكنه في الوقت ذاته يمثل عائقاً للمنظمة لأن المصطلحات يجب أن تؤدي المعنى نفسه، حتى عربياً بين منطقة وأخرى لا تستعمل نفس المصطلحات، وهناك صعوبة وجود ترجمة لبعض المصطلحات الحديثة التي لم تولد في بيئة عربية كونها جاءت بفعل التكنولوجيا المتطورة وهذا أيضا يشكل تحديا بالنسبة لأقسام الترجمة في المنظمة.
وقالت ريبس “إنه لا يمكن اعتماد الترجمات الحرفية حتى أن المنظمة وضعت آليات لمراجعة كل ما ننتجه بفضل الترجمة الآلية، وفي كثير من الحالات لا بد من الرجوع إلى مترجم أو مراجع محترف لتأمين صلاحية النص المترجم ومطابقته للنص المترجم آليا”.
وأكدت ريبس على أن هناك مقاومة داخل أقسام الترجمة بالمنظمة في استعمال كل الإمكانيات التي تتيحها التكنولوجيا في اللجوء إلى الترجمة، وهذا من منطلق أن المترجم له خبرة وحرفة واحتراف واستخدام التكنولوجيا يسبب بشكل أو بآخر تغييبا لهذه الحرفة، لذا فالتحدي الكبير يكمن في كيفية إقناع الإداريين باستعمال هذه التكنولوجيات واحترام الحرفة كحرفة تضمن أن المترجم له وجوده وشرعيته الكاملة في منظومة الترجمة.
ولفتت إلى إن عدد المترجمين في المنظمة في اندثار نتيجة قلة الموارد وعدم تسديد بعض الدول حصتها، لذا نلجأ لمترجمي القطاع الخاص والجامعات والوكالات المختصة في الترجمة.
أما فائق عويس مدير برامج سفراء اللغة بغوغل فقال “إن الرسالة التي بدأ بها هي رسالة توفير وتوصيل المعلومات وتيسير وصولها حول العالم، إنها رسالة، وضمن هذه الرسالة تأتي عدة مبادرات منها توفير المنتجات والخدمات للمستخدم العربي والمستخدمين حول العالم باللغات كلها ومنها اللغة العربية، لقد بدأت مع غوغل منذ سبع سنوات كمترجم من الانجليزية إلى اللغة العربية ووضعت أول كتاب ارشادات للمترجمين لكيفية التعامل مع المصطلحات التقنية وخصائص اللغة العربية، نحن نعرف أن لغتنا العربية لغة ذكورية فكيف نتغلب على هذا التحدي ونخاطب المستخدم بلغة لا تستخدم المذكر أو المؤنث، أيضا تحدي المفرد والمثنى والجمع، كل ذلك له رموزه المختلفة، وقد حاولنا في غوغل حل ذلك، وقمنا بتعريب كل المنتجات، لدى غوغل أكثر من مائة منتج متوفرة باللغة العربية من خلال لغة عربية سلسلة وبسيطة تحترم خصوصية الثقافة العربية، من هذه المنتجات أنظمة تشغيل الهواتف والتصفح ومنصة اليوتيوب وغير ذلك من المنتجات التي تم تعريبها وهي متوفرة للمستخدمين. بالنسبة للترجمة هناك منصة ترجمة غوغل، الكثير يستخدمها إما لترجمة كلمة واحدة أو كقاموس معلم، أو حتى لترجمة مستندات ووثائق كبيرة، والمترجمون يستخدمونها كأداة إدارة الترجمة وإدارة ذاكرة الترجمة وإدارة المصطلحات، وهناك ميزات كثيرة لهذه المنصة يمكن الحديث عنها في جلسة لاحقة”.
ورأت رئيس المنظمة العالمية للمترجمين المحترفين أورورا هوماران، أن التقنيات الحديثة أثرت سلباً على حرفة الترجمة والمترجمين وعلى اللغة أيضا، وقالت: “إن ترجمة غوغل يمكن أن تقوم بالترجمة الحرفية لتوضيح معنى لكنها لن تترجم جيداً كونها غير احترافية، كما إن العولمة لا تساعد إلا قلة قليلة من البشر وتظلم الأغلبية، لننظر إلى أمريكا والفقراء هناك، إن هناك تضاربا في المصالح والأعمال، والتكنولوجيا بتقنياتها الأحدث تستخدم لصالح الوكالات الكبرى وليس في صالح الترجمة والمترجمين، حتى أن كبار الكتاب في العالم يطالبوننا بالإبقاء على حرفيتنا وحفظها ومقاومة هذا السيل من تقنيات الترجمة الحرفية”.
ورأت أن الترجمة الآلية ليست ترجمة صحيحة وأن الترجمة عبر الذكاء الاصطناعي، أو الترجمة الذكية، وللأسف كلما قلنا نود أن نستفيد من التكنولوجيا نجد الترجمة لا تحب التكنولوجيا، وطالبت هوماران بمنصة تجمع كل المترجمين حول العالم لتضم المترجمين والمترجمين الفوريين، وتحميهم وتحفظ لهم إنسانيتهم.
وتساءل الروائي الجزائري واسيني الأعرج عن الكيفية التي تكفل نقل النص العربي إلى العالمية، وقال لا بد من وجود جهد منظم في إطار هيكل مؤسسي ضخم يتم العمل خلالها على مدار الوقت، فمشكلة الترجمة أنها تحتاج إلى الحس الإنساني، فالترجمة عبر غوغل أو أي منصة ترجمة أخرى لن تقدم سوى مقاربة حرفية للمعنى، لقد جربت ذلك وخرج لي شيء مجنون، لذا هناك ضرورة لوجود مؤسسات ترجمة من وإلى العربية يقوم على العمل بها مترجمون محترفون، إن الترجمة بحاجة إلى المزيد من المؤسسات التي ترعاها.
وتحدث مؤسس بيت الحكمة بالصين مايونغ ليانغ (يوسف) عن النقص الكبير في عدد المترجمين المحترفين في الصين الذين بإمكانهم النقل من اللغة الصينية إلى العربية والعكس، وقال إن حجم التبادل في مجال الترجمة بين اللغتين العربية والصينية منذ 2010 زاد عدد الكتب المترجمة على الجانبين أضعافا مضاعفة، فقبل ذلك كان حضور الكتاب الصيني في العالم العربي قليلا جدا، الآن قدمت مؤسسة بيت الحكمة 700 كتاب من العربية للصينية والعكس، وهذا العدد يمثل 80% من حجم المطروح بالسوق.
وطالب ليانغ بتعزيز الشراكة الصينية العربية بتشجيع مؤسسات الجانبين العربي والصيني واتحادات الكتاب على تفعيل مبادرات الترجمة ودعم جهود الترجمة وحفظ حقوق المترجمين.