المشاركون في الندوة يستحضرون أهمية الحرم النبوي ودوره عبر العصور المختلفة في مجال نصح الأمة وتوجيهها
أجمع المشاركون في الندوة البحثية التي نظمها كرسي دراسات المسجد النبوي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة يوم الأربعاء 22 رجب 1438هـ بقاعة الملك سعود بالجامعة تحت عنوان: “دور المسجد النبوي في تعزيز الأمن الفكري”، على أهمية الحرم النبوي عبر العصور المختلفة في مجال نصح الأمة وتوجيهها ومناقشة قضاياها. مؤكدين على دوره المؤثر في التصدي لقوارع الفتن ونوازل الأفكار الضالة والرؤى المنحرفة بالبيان وبذل الجهد في مجال تقرير منهج الوسطية والاعتدال، وتعزيز الأمن الفكري، والأمن بمفهومه الشامل، وذلك من خلال الخطب التي ألقيت على منبره الشريف، أو عن طريق دروس العلماء والمشايخ التي تقام فيه، أو عبر المحاضن التعليمية.
وبحث المشاركون في أوراقهم العلمية المقدمة في الندوة جهود المملكة العربية السعودية في مواجهة الانحرافات الفكرية عن طريق المسجد النبوي، والأسباب المؤثرة في أفكار الفئة الضالة وسبل معالجتها وفق منهج شرعي وتربوي واجتماعي، كما تطرقوا إلى دور وسائل الإعلام التقليدية والحديثة في المساهمة في جهود الحرم النبوي في هذا المجال، مع استعرض تاريخي لدور المسجد من تأسيسه على يد المصطفى صلى الله عليه وسلم وحتى العصر الحاضر.
الحديث عن الوسطية في كل مناسبة
وأكد وكيل الرئيس العام لشؤون المسجد النبوي الدكتور علي بن سليمان العبيد على أهمية الحديث بصورة مستمرة عن وجوب الطاعة لله ورسوله وأولي الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، ووحدة الصف، على أن يكون الحديث عن وسطيّة الإسلام واعتداله في كل مناسبة، مع تضافر الجهود بين الجهات الحكومية: الإدارية والتعليمية، للقيام بمهمة تعزيز الأمن الفكري.
ودعا الدكتور العبيد إلى تنظيم زيارات طلابية لأئمة وخطباء ومدرسي المسجد النبوي والتواصل معهم، وإقامة معرض دائم للكتب والنشرات والمطويات والصوتيات التي تتحدث عن الأمن الفكري وتعزيزه. مطالبا باستضافة بعض القيادات الأمنية ذات الاهتمام بالأمن الفكري للالتقاء بطلاب المعهد والكلية المسجد، بالإضافة إلى إدراج مقرر في كلية المسجد النّبويّ يعني بالأمن الفكريّ، والعمل على زيادة برامج التوجيه والإرشاد الطلابي بما يعزز الانتماء، ويحصن الطلاب من الأفكار المخلة بالأمن الفكري، مع تشجيع البحوث والدّراسات التي تعنى بجانب تعزيز الأمن الفكري.
مقررات دراسية تعنى بالأمن الفكري
كما أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ صالح بن محمد آل طالب بالاستمرار في العناية بموضوع الأمن الفكري في خطب المسجد النبوي، مع أهمية إعداد البرامج التوعوية لتعزيزه لدى روَّاد المسجد وقاصديه، بالإضافة إلى إعداد مقرر دراسي عن الأمن الفكري لطلاب كلية الحرم النبوي ومعهد الحرم النبوي، بجانب العناية بتعزيزه لدى مدرسي وطلاب الحلقات القرآنية في المسجد النبوي.
وعرف آل طالب مفهوم (الأمن الفكري) بأنه حماية العقول من التطرف والخروج عن الوسطية والاعتدال، في فهم الدين والحياة، مشيرا إلى أن هذا المصطلح لم يرد ذكره في النصوص الشرعية، غير أن المتأمل في معاني النصوص ومقاصدها ليدرك أنها قد تضمنت ما يدل على المضامين الرئيسة لهذا المصطلح، مؤكدا بأنه ثبتت مراعاة الصحابة لمفهوم الأمن الفكري من خلال أقوالهم وموافقهم.
وقال إمام المسجد الحرام أن المملكة العربية السعودية تعتبر دولة رائدة في مجال الأمن الفكري، وذات خبرة وتجربة في سبل تعزيز هذه القيمة وترجمتها إلى برامج عملية على أرض الواقع، وقد نفذت العديد من السياسات والجهود والإجراءات الرامية إلى تعزيز الأمن الفكري سواء عبر مؤسساتها العلمية المتخصصة، أو البرامج العلمية أو عبر الشبكة العنكبوتية.
وذكر بأن للمسجد النبوي دورا متميزا في تعزيز الأمن الفكري سواء من خلال الخطب التي ألقيت على منبره الشريف، أو عن طريق دروس العلماء والمشايخ التي تقام فيه، أو عبر المحاضن التعليمية فيه ككلية الحرم النبوي ومعهد الحرم النبوي، أو من خلال مناشط إدارة الأمن الفكري بوكالة الرئاسة، أو من خلال إصدارات الرئاسة المتعلقة بالأمن الفكري.
8 أسباب لظاهرة الانحراف الفكري
في حين أكد إمام وخطيب المسجد النبوي قاضي محكمة الاستئناف بالمدينة المنورة الشيخ صلاح بن محمد البدير على أن ظاهرة الانحراف الفكري قضية بالغة الحساسية شديدة التعقيد، وأن أخطر ما ينتج من التسرع في علاجها الخلط بين تلك الأفكار المنحرفة وبين المنهج الأصيل الذي قامت على أسسه وأركانه على نصوص الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة، أو القول بأن تلك الأفكار ناتجه عنه أو مستمدة منه.
ودعا الشيخ البدير إلى تأهيل الكوادر البشرية دينيا وعلميا وعقديا ومهاريا وسلوكيا قبل خوص المعركة الضارية مع الانحرافات الفكرية التي لم تكن وليدة الحاضر بل لها جذور قديمة، لافتا إلى الدور الكبير لعلماء المملكة في تعزيز الأمن الفكري وحماية المجتمع من عاديات الانحراف.
وأرجع إمام وخطيب المسجد النبوي أسباب الانحراف الفكري في العصر الحاضر إلى أسباب منها: غياب الإدراك بمخاطر الفرقة وأهمية المحافظة على الإمامة والجماعة، الجهل بحقوق إمام المسلمين، تصديق الإشاعات وعدم التثبت من الأخبار، الغلو وأثره السيء على الأمة، غياب مبدأ العدل والتسامح والتعايش والبر والإحسان مع غير المسلم، البعد عن مجالسة العلماء والثقات وإسقاط مكانتهم وعدم الأخذ بفتاويهم، الجهل بعقيدة أهل السنة والجماعة، تأثير الاعلام المعادي وتنوع وسائله.
وأشار الشيخ البدير إلى أن من أهم طرق تعزيز الأمن الفكري حماية الشباب والنشء من تلك المتغيرات والهجمات بترسيخ مبدأ الوسطية والاعتدال، وإعداد برامج وقائية، وتصحيح المفاهيم المغلوطة لديهم بعد رصدها وتحليلها ووصف طرق علاجها. وتوظيف الإعلام في مواجهة مظاهر التطرف. وإقامة المؤتمرات والندوات واللقاءات الشبابية في المدارس والمجتمعات والأندية والجمعيات الرسمية والدوائر الحكومية لتعزيز الأمن الفكريّ. وتعزيز كفاءة الأجهزة العلمية والتربوية والإرشادية والشرعية وتأهيل العناصر العاملة فيها. وتعزيز دور الأسرة في مواجهة الانحراف الفكريّ عن طريق الوسائل الحديثة.
عظم مهمة رجال الأمن
من جهته طالب مستشار معالي رئيس شؤون الحرمين الشريفين أستاذ الدراسات الإسلامية الدكتور يوسف بن حمود الحوشان بتفعيل رسائل الجوال التوجيهية للحجاج والزوار وقاصدي المسجد النبوي، والتعاون مع الإذاعة والتلفزيون لبث المحاضرات والدروس الخاصة بالأمن الفكري والاستفادة من التقنيات الحديثة في هذا المجال. موضحا بأن المستقبل التقني متسارع والسباق بين الخير والشر لن ينتهي كما أن الأمة مأمورة بالمبادرة.
وأشار الدكتور الحوشان إلى ضرورة تدريب فريق متكامل يختص بالشبكات الاجتماعية يختص بإنتاج المحتوى وإخراجه وإدارة الشبكات وتوجيهها، بالإضافة إلى إنشاء منصة صحفية لكتابة وتحرير محتوى على شكل مقالات لتوفير مساحة إعلامية شرعية لاحتضان الشباب واستغلال طاقته في الكتابة والتعبير عن رأيه.
واقترح إنتاج ألعاب الكترونية هادفة موجهة إلى مختلف الفئات العمرية لتكون بديلا عن الألعاب الالكترونية المدمرة، وإصدار سلسة من التطبيقات التعليمية والتربوية التي تستهدف الأطفال وتغرس في نفوسهم العقيدة السليمة وتنشئتهم على طاعة الله ورسوله وولاة الأمر، وإبراز الفكر الوسطي المعتدل والتوعية بأهمية الأمن والتذكير بنعمته والتحذير من الإخلال به والتأكيد على عظم مهمة رجال الأمن.
أول بذرة للانحراف الفكري
بينما قال أستاذ العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الدكتور إبراهيم بن علي الرحيلي إن المفاهيم الخاطئة هي البذرة الأولى للانحرافات الفكريّة، فمتى ما أزيلت الشبه لدى أصحابها عند أول ورودها حصلت لهم السّلامة من الانحرافات الفكريّة. مشيرا إلى أنّ المفاهيم الخاطئة ترجع في غالبها إلى شبه موروثة عن المتقدّمين.
وأوضح الدكتور الرحيلي بأن الجهود المبذولة في المسجد النّبويّ استهدفت عبر الوسائل المختلفة بيان بطلان وزيف العقائد الباطلة، والانحرافات الفكريّة السابقة التي كانت مؤثرة في تضليل بعض المسلمين المعاصرين خاصة الشباب منهم.
وبين بأن للمسجد النّبويّ مكانة عظيمة في قلوب المسلمين مما أعان الكثير من المتأثرين ببعض الأفكار المنحرفة وأصحاب المفاهيم الخاطئة على الرجوع عنها والتوبة منها إذا ما سمعوا التوجيه من منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو في جنبات المسجد النّبويّ، من أهل العلم المختصين، والخطباء المؤثرين، والمدرسين المؤهلين.
واستعرض أستاذ العقيدة بالجامعة الإسلامية عناصر يقوم من خلالها المسجد النبوي بدور مهم في تعزيز الأمن الفكري، وهي: الإدارة العليا الواعية، المحاضرات والدروس العلمية، معهد الحرم، مكتبة المسجد النبوي، إدارة الأمن الفكري، خطب الجمعة، إدارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
اتصال تفاعلي مع الجمهور
كما قال عضو هيئة التدريس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور محمد بن خضر عريف إن العمل الإعلامي المحترف هو الداعم الأول دون منازع للأمن الفكري، حيث يمكن أن يكون للمسجد النبوي الشريف دور أعلامي أكبر في تعزيزه، لافتا إلى ضرورة تسخير الإعلام بكافة وسائله لتحقيق الأمن الفكري.
وبين الدكتور عريف أن وسائل الإعلام تؤدي بشقيها التقليدي والجديد دورًا مهمًا لا غنى عنه في تعزيز عجلة الأمن الفكري. مضيفا بأن الإعلام الرقمي الجديد يعتبر وسيلة رئيسية لاغنى عن توظيفها لتحقيق أهداف الأمن الفكري حيث إن هذه الوسائل لا تقل عن وسائل الإعلام التقليدي، بما تمتلكه من خصائص مثل التفاعل وسرعة الانتشار، والوسائط المتعددة، والقدرة على الوصول إلى إحدى أهم الشرائح المستهدفة، وهي شريحة الشباب وغيرها من الخصائص.
وذكر بأنه ينبغي أن يصبح الإعلام والاتصال محورًا أساسيًّا من محاور الأمن الفكري، من خلال فتح قنوات اتصال تفاعلي آني مدروس مع الجمهور المستهدف بغرض إشعاره بأنه جزء فاعل في تعزيز الأمن الفكري وصياغة رأي عام داعم ومساند له في كل القطاعات.
خطب الجمعة تقرر الوسطية والاعتدال
وفي ذات السياق، قال عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية الدكتور محمد بن باكريم باعبدالله إن خطب الجمعة في المسجد النبوي ثرية بمضامين الوسطية، حافلة بنتاج سخي جادت به قرائح أئمته وخطبائه في مجال نصح الأمة وتوجيهها ومناقشة قضاياها. وأفاد الدكتور باعبدالله بأن خطب الجمعة بالحرم النبوي تتفق على ذكر خمسة من مقومات تعزيز الأمن الفكري، هي: تقرير الوسطية في باب الإيمان بالله وتوحيده وإفراده بالعبادة، وباب منزلة النبي صلى الله عليه وسلم والجمع له بين منزلة الرسالة والعبودية، وتقرير الوسطية في محبة الصحب والآل، والترضي عن الجميع، وفي الوصية بتقوى الله التي هي جماع كل خير، وهي من أعظم مقومات تعزيز الأمن الفكري، بل والأمن الشامل.
وأشار إلى أن الخطب أجمعت على تقرير الدعاء لولاة الأمور بالإعانة والتوفيق والتسديد والصلاح؛ لما في ذلك من العائدة على الرعية بالخير والأمن والاستقرار، وهو باب من أعظم الأبواب أثرا في تعزيز الأمن والاستقرار، وبسبب الانحراف فيه أصاب الأمة ما أصابها من الفتن والويلات الجسام.
استغلال وسائل التواصل الاجتماعي
في حين أوصى عضو هيئة التدريس بكلية الملك فهد الأمنية الدكتور عثمان بن محمد الصديقي بالاستفادة من وسائل التّواصل الاجتماعي في نشر خطب الجمعة واختصار مضامينها، ليسهل تناقلها بين عوام المسلمين في داخل البلاد وخارجها، والعمل على ترجمة الخطب المعنية بقضايا الأمن الفكري بعدّة لغات، كالإنجليزية، والفرنسية، والأردية، والهندية، وغيرها، وطبعها وإهدائها للسّفارات في خارج البلاد، وتوزيعها على الحجّاج والمعتمرين والزوّار.
وشدد الدكتور الصديقي على أهمية العناية بخطباء الحرمين الشريفين عمومًا، وخطباء المسجد النبوي خصوصًا، واختيارهم بعناية فائقة، وبخاصة من يتحدّث ويطرق مواضيع الأمن الفكري. مشيرا إلى ضرورة التواصل مع الجهات المعنيّة في وزارة الدّاخلية وغيرها من مراكز البحوث الأمنية والعلميّة، لتزويد رئاسة الحرمين الشريفين وخصوصًا وكالة الرئاسة بالمدينة والخطباء بالمسجد النبوي بالمعلومات والإحصاءات والبيانات اللازمة في قضايا الأمن الفكري والأحداث المهمة، لتعينهم على طرحها في الخطب بما يسمح به المجال.
ودعا إلى وضع استراتيجية للخطب التي يتناول فيها مواضيع وقضايا الأمن الفكري بحيث تكون بالتشاور مع خطباء المسجد النبوي، وتوزيع المواضيع فيما بينهم ووضع خطّة سنويّة وأخرى خمسية، حيث إن هناك ما يقارب ثمانية وأربعين خطبة في العام الواحد، وفي خمسة أعوام مائتان وأربعون خطبة، وهذا أمر يلزم التخطيط له في طرح مثل هذه المواضيع المهمة، بالإضافة إلى إنشاء لجنة علميّة في وكالة الرئاسة في المدينة، تكون استشارية لخطباء المسجد النّبويّ، وذلك بمعاونتهم في اقتراح عناصر الخطب وعناوينها في قضايا الأمن الفكري، وتزود الخطباء بالمعلومات والإحصاءات التي يتمّ جمعها بالتنسيق مع الجهات المعنية ذات العلاقة.
تفكيك شبهات الجماعات المتطرفة
كما شدد الباحث والمستشار بالقضايا الوطنية والأمن الفكري عضو الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب الدكتور عبدالعزيز بن عبدالرحمن الهليل على ضرورة التعاون والتفاعل الإيجابي بين كافة المؤسسات والوزارات المعنية من أجل تفكيك الفكر المتطرف وتعزيز الأمن الفكري، مشيرا إلى أن مكافحته واجب لا يخص إدارة الأمن الفكري بالمسجد النبوي الشريف، ولا الوزارات المعنية، ولا يقتصر على علماء الدين دون غيرهم، بل هو واجب كل مؤسسات صناعة الثقافة والمواد الإعلامية. داعيا إلى تعزيز المعرفة والتعليم، وإشاعة ثقافة التعدد، ومكافحة كافة أشكال التمييز.
وأشار إلى أهمية التحصين المبكر للأطفال والناشئة، والحرص على عدم وقوعهم في أيدي المتشددين، مع حتمية مواجهة الجماعات المتطرفة بتفكيك شبهاتها، والرد عليها بالأدلة العلمية الدامغة، وذلك عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة. مؤكدا على دور وسائل الإعلام في استضافة العلماء المتخصصين.
ربط الخطب والمحاضرات بوسائل الإعلام
من جهته دعا عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور سليمان بن محمد العيدي إلى ربط العلاقة بين وسائل الاعلام وخطب ومحاضرات المسجد النبوي وتدريب القائمين عليهما على الأساليب الدعوية المعاصرة، مؤكدا على دور دروس مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في تطويع القضايا الفكرية التي تحذر من الفكر الضال وتعميق الانتماء للعقيدة السلفية وبيان خطورة الإرهاب وتحذير الأمة منه.
وأشار الدكتور العيدي إلى تكثيف الدورات العلمية ودروس الحرم النبوي التي يقوم بها العلماء الأكفاء من ذوي العلم والعقيدة السلفية، وإحياء وتطوير مكتبات المسجد تقنيا وإطلاق برامج التعليم عن بعد منها والاهتمام بأوقافها.
وشدد الدكتور العيدي في الورقة العلمية التي كانت بعنوان : (بناء الخطاب الإعلامي في ضوء رسالة المسجد النّبويّ وأثره في تعزيز الأمن الفكريّ) على ضرورة حسن اختيار الخطب وملائمة موضوعاتها لقضايا العصر، وافتتاح كليات عليا تهتم بجيل اليوم وبالمسجد وشؤونه.
العلم الركيزة الأساسية
في حين قال المشرف على الشؤون العلمية بمركز بحوث ودراسات المدينة المنورة الدكتور محمد بن عبدالهادي الشيباني إن الاهتمام بالعلم وتشجيع الناس على التعلم ومعرفة أحكام الشرع الركيزة الأساسية لأمن المجتمع الفكري من الانحراف.
وأوضح الدكتور الشيباني أنه يجب أن تأخذ الأمة بالمنهج النبوي في تشجيع الناشئة والناس نحو العبادة وريادة المساجد، وانتظار الصلاة، وقراءة القرآن، والتفقه، حيث إن ذلك من أعظم العبادات، ولكي تتم المحافظة عليهم من الانحراف الفكري، نتيجة التجمعات اللاهية، التي يتسلل من خلالها الجهلة والمغرضون إلى توجيه الشباب واستغلال طاقاتهم واندفاعهم نحو الإضرار بأنفسهم وأمتهم.
مطلب شرعي يقوم على الوسطية والاعتدال
وأوضح أستاذ الفقه بقسم الدراسات العليا بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الدكتور عبد السلام بن سالم السحيمي بأن الأمن الفكري في الإسلام يعني سلامة الفكر، بحسن المعتقد والمنهج، وفق الوسطية، التي دل عليها الكتاب والسنة وفهم السلف وعدم الانحراف عنها. مبينا بأن أهمية الأمن الفكري تكمن في كونه مقدمة للأمن الحسي، ومن أهم مكوناته.
وذكر الدكتور السحيمي بأن في تحقيق الأمن الفكري تحقيقا للمقاصد العامة للشريعة، حيث إن غيابه يحدث خللا في الأمن بجميع فروعه وأنواعه المختلفة. مؤكدا بأن الأمن الفكري مطلب شرعي، يتحقق به صحة المعتقد وسلامة المنهج وحسن التصور للأمور، ويترتب على ذلك صواب الأعمال وأثرها الطيب على الفرد والمجتمع، وأن مخالفة ذلك والانحراف عنه له آثاره السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية السيئة؛ بل وفيه الإخلال بالضروريات الخمس، التي جاء الإسلام بالمحافظة عليها.
وقال بأن التأصيل الشرعي للأمن الفكري قوامه ومرتكزاته أربعة أمور، أولها: إكمال الدين وصلاحيته لكل زمان ومكان، ثانيها: أن القرآن الكريم والسنة النبوية قد بيّنا المنهج الذي يجب اتباعه والسير عليه، ثالثها: أن الشريعة جاءت بحفظ الضروريات الخمس وجاءت لتحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد وهذا لا يتم إلا بتحقيق الأمن الفكري، ورابعها: رعاية الإسلام لفكر الأمة؛ لكي لا يقع في الانحراف، ويكون ذلك بالاعتصام بالكتاب والسنة، ولزوم الوسطية، ولزوم الجماعة، والرجوع للعلماء المعتبرين، وطاعة ولي الأمر المسلم في المعروف وعدم الخروج عليه، وتحقيق الاجتماع ونبذ الفرقة والاختلاف، ومعرفة الحقائق الشرعية بضوابطها وفق منهج ومعتقد أهل السنة والجماعة؛ ومن ذلك: ما يتعلق بالإيمان والتكفير، والولاء والبراء، والبيعة، والجهاد، وكل ما يتعلق بالفكر فمعرفة ذلك وتحقيقه يعتبر من أهم مقومات الأمن الفكري.
دور العلماء في التصدي للفتن
كما استعرض أستاذ قسم التاريخ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميد جهود الأئمة والعلماء في المسجد النبوي وأثرهم في تعزيز الأمن الفكري، حيث أكد على أن العلماء الأعلام كان لهم أثر بارز في التصدي للفتن والوقوف أمام محاولات التعدي والإفساد، وتجلى ذلك في مضامين خطب ودروس وفتاوى ومؤلفات علماء وخطباء المسجد النبوي الشريف عبر التاريخ الإسلامي الممتد منذ أكثر من أربعة عشر قرناً؛ تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ومنهج السلف الصالح.
العناية بالدراسات الأكاديمية
بينما نوه عضو لجنة الحماية الاجتماعية بمنطقة المدينة المنورة الدكتور عبدالله بن غدير التويجري بأهمية عناية الجهات الأكاديمية بالدراسات المتعلقة بالمسجد النبوي الشريف، من خلال تضمين بحوث طلابها في الدراسات العليا لهذا الأمر. مشيدا بما تقوم به إدارة الأمن الفكري بالمسجد النبوي الشريف من دور كبير في تعزيز مفهوم الأمن الفكري، مضيفا بأن الإدارة تقوم حالياً بجمع خطب أئمة المسجد النبوي الشريف بكتاب جيّد تحت مسمى “قضايا الأمن الفكري من المسجد النبويّ” من عام 1422هـ إلى 1436هـ.
وأشار الدكتور التويجري إلى الجهود المبذولة من المملكة العربية السعودية في معالجة الأفكار المنحرفة، وتعزيز الأمن الفكري متمثلاً ذلك بالبحوث العلمية والندوات، والمؤتمرات والكراسي العلميّة الخاصة بالأمن الفكري.
تجديد الخطاب الدعوي
وقال عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الدكتور عبدالرب بن نواب الدين ال نواب إن الأمن الفكري موضوع حيوي متجدد ومتجذر في وجدان الأمة، مضيفا بأنه لا يزال في حاجة إلى استخراج مكنونه وتجديد الخطاب الدعوي لبيان أهميته وقيمته.
وطالب ال نواب في بالاستمرار في استكتاب المتخصصين أبحاثًا ودراسات في الدعوة ومنهجِها وتاريخِها وثقافةِ الداعية فيما يخدم قضايا العصر، وعقد مؤتمرات وإقامة ندوات في موضوع البحث لأهميته وقابليته للتوسع لسعة مادته العلمية.
وأوضح بأن الحديث النبوي مصدر أصيل من مصادر الخطاب الدعوي، كما أن المسجد النبوي الشريف مجمع المسلمين ومنطلق الدعوة ومهوى الأفئدة، له خصائصه ومكانته وأثره في حياة المسلمين، بالإضافة إلى دوره في ترسيخ الأمن الفكري المواكب للدعوة منذ بدايتها حيث إنه من ثمرات التشريع.
وبين بأن الخطاب الدعوي يتسم بسمات تبرز أهميته ومكانته منها، وخصائصِه التي ينفرد بها الأصالة والشمولية والعالمية الوسطية والتوازن، كما أن من الآثار الباقية من القرون الخالية خير ما يراه الناس مما هو ماثل للعيان اليوم، حيث إن المسلمين الذين يربو عددهم على المليار مسلم وإن كانوا على ضعف، هم أثر من آثار الخطاب الدعوي الذي صدع به النبي من مسجده.
استحضار خصائص المسجد النبوي
من جهته حث عضو هيئة التدريس بكلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الدكتور عبدالباري بن حماد الأنصاري أئمة المسجد النّبويّ والمدرسين فيه والعاملين، وسائر المسلمين أن يستحضروا خصائص الحرم النبوي؛ ليقوموا بحقِّها، ويبذلون جهدهم في استثمارها في تعظيم هذا المسجد الشريف، والحفظِ على أَمنه، ليبقى على مرّ الزمان شاهدًا جليًّا على كون مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم مأرزَ الأمن والإيمان.
ولفت الدكتور الأنصاري إلى أن المدينة النّبويّة اختصت بكونها مأرِزَ الإيمان والأمان، فينبغي أن يكون للمسجد النّبويّ الشريف أوفرُ الحظِّ من ذلك، مشيرا إلى أن انتهاك أمن المسلمين فيه وعيد شديد، يعظم بحسب شرف المكان الذي أُخل بأمنه وأمانه. مضيفا بأن نشر العلم الشرعي المستقى من الكتاب والسنة – في الخطب والدروس في المسجد النّبويّ – من أنجع أسباب المحافظة على الأمن الفكري.
شغل أذهان الشباب بالعلوم المفيدة
في حين أوضح عضو هيئة التدريس بكلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الدكتور سعود بن عيد الصاعدي أن تعزيز الأمن الفكري في العصر الحاضر يتم عن طريق تعزيز اللحمة الوطنية وتقويم الروابط بين الراعي والرعية وفهم عقيدة السلف الصالح للإمامة مع بيان ضرورة وجودها لحفظ الدين وإقامة الحدود، بالإضافة إلى شغل أذهان الشباب بحفظ القرآن الكريم وبالدروس العلمية وحفظ متونها وتأصيلهم علميا وتحذيرهم من الخروج على الصراط المستقيم ومن أن يكونوا حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام.
وحث الدكتور الصاعدي القائمين على منبر المسجد الحرام والمسجد النبوي على إبراز خصائص المسجدين وبيان منزلة الأمن فيهما، مشيرا إلى أن للمسجد النبوي خصائص كثيرة، وفقهها فيه مسائل متنوعة، ولها أوجه كثيرة جداً في تعزيز الأمن الفكري في العصر الحاضر، وأنه لا بد أن تدل كل خطبة، أو درس، أو دورة علمية على تعزيز ذلك.