شغل .. شغل ؟
شغل .. شغل ؟
الانشغال لا يعني الإنتاجية، والإنتاجية لا تتطلب انشغالك بشكل دائـم..
فهناك فرق بين أن تكون مشغولاً وبين أن تكون منتجاً.. بين أن تشعر بالانشغال، وبين أن تكون منشغلاً فعلاً في شيء مفيد..
جميع البشر يشعرون بالانشغال ولكنّ قليلاً منهم مشغول فعلا أو قادر على تحويل وقته لمنتج نهائي.. كل طرف يقسم بأنه مشغول ولكنّ “المنتجين” يملكون هدفاً واضحاً ينشغلون (بسببه) في حين يركض “المتشاغلون” بلا هدف ويتحركون في دوائر ـ فيظلون مشغولين طوال العمر.
إن لم تعرف وجهتك التالية ستنتهي جهودك لـلاشيء.. إن لم يؤدّ انشغالك لنتيجة مفيدة يصبح طاقة مهدرة وجهداً غير مبرر.. إن لم يكن لديك هدف نهائي (يتسبب بانشغالك) ستضيع في التفاصيل وتغرق في الإنشغال ذاتـه..
انظر إلى معظم الناس ــ هذه الأيام ــ ستلاحظ أن أوقاتهم تضيع ما بين نوم وسهر ومتابعة للإنترنت والقنوات الفضائية.. وحين تقابل أحدهم بالصدفة وتسأله “أين كنت يارجل؟” يقول لك الجملة السعودية الشهيرة “والله كنت مشغول”..
ولكن الحقيقة هي أن من يختبئ خلف هذه الجملة عاجر عن تنظيم وقته ومعرفة أهدافه.. يعرف أنه إنسان غير منتج، ولكنه لا يعرف كيف ينظم حياته ويرتب أولوياته. يعيش فوضى غير خلاقة ويعتقد أنه سينتهي من كل شيء (غـدا).. لا ينقصه ذكاء وعـلم وفطنة ولكنه لا يملك ببساطة “خارطة طريق” تقوده لقطف الثمرة..
ومايبدو لي أننا من أكثر الشعوب انشغالاً وأقلها إنجازاً.. يمارس معظمنا وظائف غير منتجة ــ ونعاني من بطالة مقنعة ــ ثم نأخذ أطول إجازات في العالم.. يتولى الأجانب خدمتنا وتنفيذ مشاريعنا ــ ونملك في بيوتنا من يخدمنا ويقود سياراتنا ـــ ثم نتعـذر بالجملة الشهيرة “والله كنت مشغول”..
.. وكي لا تخدع نفسك أو تنتهي حياتك كـفأر يركض على عجلة، يجب أن تملك خطة (أو على الأقل فكرة) عما ستفعله بعد يوم وشهر وسنة من الآن.. يجب ألا تنام ليلاً إلا ولديك فكرة واضحة عما ستفعله صباحا.. حين تعرف هدفك التالي لن تتأخر أو تتوتر أو يضيع جهدك هباء.. كلما كان واضحاً محدداً أنهيتـه بسرعة وامتلكت فراغاً أطول ــ مقارنة بمشغول يدور في حلقات مفرغة..
سير العظماء تثبت أنهم كانوا يعانون دائماً من ضيق الوقت ومع ذلك ينجزون أعمالاً تفوق الفارغين بمراحل. ضيق الوقت رفع مستواهم وصقل مهاراتهم فأصبحوا ينفذون المهام بنجاح وفعالية وسرعة مدهشة.. وفي المقابل يرافق الفشل والتأخر كل من يفقد هدفه ويعتقد أن لديه الوقت الكافي لعمل كل شيء ـــ فيضيع منه العمر مشغولاً ولم ينجز أي شيء !!
ـــ باختصار شديد:
لا بأس في أن تكون مشغولًا ولكن ليس (متشاغلاً)..
لا بأس في أن تركض باجتهاد، ولكن لا تركض في الاتجاه الخاطئ..
لا بأس في أن تنشغـل (وتصرف شيئاً من وقتك وطاقتك) طالما ستنتهي من هـدف قررته منذ البداية..
.. بهذه الطريقة سيكون انشغالك ليس فقط إيجابياً، بـل وموقـتاً ينتهي بإنجاز حقيقي ووقت فراغ لا يملكه “مشغول” مازال يكرر هذه الكلمة.
- صحيفة الرياض