الأمير خالد الفيصل بـ”فكر 16″: لن نقبلَ أن نكونَ أتباعاً
اختتمت مؤسّسة الفكر العربي فعاليات مؤتمرها السنوي “فكر16” الذي انعقد في دبي على مدى ثلاثة أيام، برعاية صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله”، بجلسة بعنوان “نحو إنسان عربي جديد”، شارك فيها صاحب السموّ الملكي الأمير خالد الفيصل، رئيس مؤسّسة الفكر العربي، ومعالي الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، ومعالي الدكتور علي الدين هلال دسوقي، وزير الشباب المصري الأسبق وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة. وأدار الجلسة البروفسور هنري العَويط، المدير العام لمؤسّسة الفكر العربي.
تحدّث معالي الشيخ العيسى عن أهمّية التعليم باعتباره المُكمّل الذي يأتي بعد الأسرة، وأشار إلى وجود منصّات التأثير وهي عديدة، وفي طليعتها الإعلام الذي يقود الرأي العام، ويشمل الثقافة والعادات والإعلام الذي لديه تأثير كبير وقدرة على قلب المعادلات، معتبراً أنّ هذه الأمور هي منظومة مُجتمعة. ورأى أن التغيير يبدأ من الداخل، حيث لا بدّ من صياغة مشروع وطني يبتغي المصلحة العامّة في صياغة المنظومة الثقافية واستشراف مستقبل واعد للنهوض، ويضع خططاً استراتيجية واضحة وشفّافة بناءً على مقاييس تُحاكي التقدّم وتأخذ الاخفاقات في الاعتبار.
وأوضحَ أنّه لا بدّ لتحقيق هذه المنظومة من ثلاثة أمور: أوّلاً تجريد المصلحة أي الإخلاص التامّ للهدف بعيداً عن أيّ أجندة خاصّة أو مصالح اعتراضية. ثم لا بدّ من النزاهة والشفافية أمام الجميع من دون استثناء، وثالثاً لا بدّ للخطط من أن تحمل رؤية وأهدافاً وجداول زمنيّة يراقبها الجميع ويقوّمونها.
وأكّد معالي الشيخ العيسى أنّ الإنسان العربي يشترك مع غيره في الفكر والطموح، ولكنّه مرّ بمنعطفات عوّقت طموحه، وهي تبدأ بالحكومات القائدة، وهي منعطفات دفعت العقل العربي إلى الهجرة، وفي أحيان أخرى إلى أن يكون حبيس بحثه وإبداعه. مرّت أوروبا خلال مراحل طويلة بعصرٍ كانت فيها منغلقة على نفسها، وكانت المصالح الفردية والتقاطعات السياسية يصاحبها مزيج من الهيمنة الراديكالية وتحمل في داخلها رايات دينية، لذا نجد بأن ردّة الفعل في بعض تلك الدول كانت حادّة وعكسية تمخّض عنها فصل الدين عن الدولة. كما صاحب ردة الفعل تلك هجرات ما يسميه بعضهم البلاد الجديدة التي استفادت وتضافرت فيها الجهود لتتجاوز المصالح الضيّقة، ويلتقى الجميع على طاولة تكوين الدولة المدنية، كون ذلك التغيير جاء بمقوّمات علمية وفكرية ومعرفية، مما يجعلني أقول بأنّ الإنسان العربي معاّرض للمرور بتلك المرحلة.
بدوره تحدّث الدكتور علي الدين هلال عن دولة القانون، وحكم القانون، والمؤسّسات، والدولة الوطنية، والمواطنة، وقال إنّ المؤسّسات هي مجموعة أفراد، والدولة هي حكّام ونُخب ومحكومون. وأكّد أنّ أيّ إصلاح وأيّ تقدّم لا يتحقّق إلّا من خلال البشر. فالإنسان هو هدف التقدّم ووسيلته، والدول تتمايز في ما بينها ليس فقط بما تمتلكه من موارد، ولكن برأس مالها البشري والاجتماعي، وبما تمتلكه من مهارات وقدرات وذكاء لدى المواطنين.
أضاف: في الخمسينيّات والستينيّات ظهر تعبير “خلق الإنسان الجديد” وكان المقصود به قولبة البشر في أطر إيديولوجية وحزبية وسياسية من صنع الحاكم، وباليقين هذا، ليس هدفنا ولا ما نتحدّث عنه ولا أملنا أن نخلق أشخاصاً مثل بعضهم بعضاً، أو أشخاصاً يؤمنون بفكرٍ واحد وتيارٍ سياسيّ واحد وأيديولوجيا واحدة. نحن نتحدّث عن الإنسان المنتمي إلى مجتمعه ووطنه وأمّته ودينه. الإنسان الذي يشعر بالاعتزاز بأنّه ينتمي إلى هذا الشعب، السوري، السعودي، اللبناني، الجزائري.. والإنسان الذي ينتظم في دائرة ثقافية وحضارية أكبر هي الدائرة العربية. الإنسان المنتمي هو نقطة البدء، المنتمي إلى إطار مجتمعي وهويّة ثقافية.
واعتبر أنّ هذا الإنسان العربي الجديد يتأسّس على ثلاثة مقوّمات، هي الخيال والعلم والتوافق. أولاً الخيال أي الابتكار، وروح الفضول والتساؤل، بمعنى الرغبة في التجديد والتحديث، والبحث عن حلول جديدة له ولأسرته ومجتمعه ووطنه. ليس على الإنسان أن يبقى ضمن قوالب صنعها له الآباء والأجداد، بل أن يسعى إلى الانفتاح على العالم الفسيح، وألّا يكون مُستهلكاً بل مشاركاً. ثانياً العلم، إذ لا يتحقّق أيّ تقدّم إلّا بالاستناد إلى العلم والبحث العلمي، ولا يتحقّق طالما أنّ ثقافتنا العاّمة لا تحترم العلم، وحكوماتنا لا تحترم العلم والعلماء، فقيمة العلم هي في المجتمع نفسه. وأكّد أن العلم يؤسّس للحرية والتعدّدية والنهج الأفضل لتحقيق النتائج، والعلم بمعناه الشامل هو العلوم الطبيعية والاجتماعية. ثالثاً أن يكون الإنسان العربي إنساناً توافقياً يُدرك أنّ الله سبحانه وتعالى لو أراد أن يجعل الناس على دين أو لون أو عرق أو قالب واحد لفعل. فسنّة الله هي التّعدد، تعدّد الأديان والطوائف والآراء وغيره، وإذا كانت هذه سنّة الله، وإذا كان الله خلقنا شعوباً وقبائل، فكيف يجوز لأحد منّا أو فريق منّا أن يدّعي الحكمة المطلقة أو احتكار الحقيقة.
وألقى صاحب السموّ الأمير خالد الفيصل كلمة قال فيها: سأتحدّث عن الإنسان العربي بصفة عامّة وليس بصفة خاصّة، الإنسان العربي المتجدّد. وأُعطي مثالاً عن بداية الرسالة الإسلامية، حيث ترك رسول الله ما تعوّد عليه آباؤنا من عبادة الأصنام، وذهب إلى عبادة الله وكتابه. وبذلك برهن الإنسان العربي أنّه يستطيع التجدّد والتكيّف بما فيه فائدة له. وانتقل الإنسان العربي إلى إنسانٍ مشارك في العالم. وأعطى مثالاً عن التجديد، هو فترة خلافة أبي بكر الصدّيق الذي عيّن عمر بن الخطاب قاضياً للناس ومنذ ذلك الوقت بدأ فصل القضاء عن الولاية.
أضاف: أنّ أبا بكر عمل على تطوير الإدارة واستحضر نظام الدواوين من الدولة الفارسية، وهكذا بدأ الإنسان العربي يتطوّر إلى أن أصبحت الأمّة الإٍسلامية من أقوى الدول والجيوش، فنشرت ثقافتها ونقلت حضارتها إلى الغرب، وترجمت الكتب. واعتبر أنّ هذا هو الإنسان العربي المتجدّد، الذي انتقل من بدويّ إلى مؤثّر ومثقّف أثّر في الغرب حتى تغيّرت حياة الغربيين.
وتطرّق إلى الوضع الحالي، فقال: منذ الحرب العالمية الثانية والدول العربية تُقَسّم من قبل الغرب إلى دويلات، وتُحكم من قبل الآخرين، ثم ظهر ما يُسمّى بالتحرّر العربي على يد بعض الضبّاط العرب، فحدثت انقلابات عسكرية استولت على الدول العربية وتحوّلت بفضل رغبات القيادات العسكرية إلى ثورات شعبية ليس للشعوب أيّ يد فيها. من هنا أحبط العرب، وبدأوا بالخنوع والمسيرة التي لا تسأل بل تُلبّي، وهكذا انتشر الركود الفكري والثقافي والعقلي للإنسان العربي، وأصبح ينفّذ ولا يفكّر. وفي السنوات الأخيرة، تغيّرت هذه الثقافة، وتغيّر الفكر، والوعي، من التبعية إلى التفكير، لهذا الغرض ولهذا السبب أنشئت المؤسّسات والجمعيات الثقافية والفكرية في الوطن العربي، ومنها مؤسّسة الفكر العربي، التي أتاحت المجال للمفكّر العربي كي يتحدّث بحرية.
أضاف سموّه: الحال اليوم في الوطن العربي ليس كالسابق، وخير مثال هو وضع التجدّد في الثقافة والفكر والأسلوب في الإدارة. هناك نماذج حيّة استطاعت العناصر الانقلابية ألّا تتحدّث عنها، وأن تهملها وتهمّشها، بل وتوصمها بالرّجعية والتبعية والجاهلية. وأذكر نموذجين ناجحين. لدينا وحدة عربية واحدة نجحت سُمّيت المملكة العربية السعودية، وحّدت القبائل وطوّرت المجتمع، فتغيّر من مجتمع لا يقراً ولا يكتب، إلى شعب يحصد الجوائز العالمية في العلوم والتقنية. وحين يتحدّثون عن الأمن والاستقرار يذكرون السعودية مثالاً.
المثال الثاني هو الإمارات العربية المتّحدة والتي نعتبرها الاتّحاد الوحيد الناجح، وقال: شاهدوا اليوم إلى أين وصلت، العرب يتهافتون للزيارة والعمل في الإمارات، وهي تُجسّد قوة الإنسان العربي وقدرته على التطوّر. والمثالان يعطيان الأمل بأنّ الإنسان العربي بخير والفكر بخير والإدارة العربية بخير.
وختم سموّه: نحن لها، ونستطيع الوصول ِإلى أرقى المراكز في العالم. فالسعودية من بين الدول العشرين صاحبة أكبر اقتصادات في العالم، وهو إنجاز لم تحقّقه العديد من الدول، وقد حقّقه الإنسان العربي. واليوم، الإمارات العربية المتّحدة هي من البلدان المتقدّمة في كثيرٍ من النواحي. لا ينقصنا شيء إلّا الإدارة والتركيز والثقة بالنفس. لقد هزّوا ثقتنا بأنفسنا في الماضي بالجيوش، واليوم يستعمرون الفكر والثقافة. هم يريدون أن نؤمن بأنّنا لن نتطوّر إلّا إذا تبعناهم في كلّ شيء. لكنّ التبعية ليست تقدّماً وإنما هي عيْن التأخّر. فالتقدّم هو في الإبداع والابتكار. وسأل: لدينا مبادئنا ولدينا تقاليدنا، لماذا لا نبني عليها؟ لماذا لا نجدِّد حياتنا وأساليبنا وعصرنا، ونستفيد من العلم والتجارب الدنيوية؟ لن نقبل أن نكون أتباعاً.