توثيق التعايش المجتمعي بـ “دليل علمي” من العلوم الشرعية
توثيق التعايش المجتمعي يأتي ضمن مبادرة من الفعاليات التي تبرز من بين المبادرات الـ 12 للقاء التعايش المجتمعي، الذي اختتمه مركز الحوار الوطني يوم الخميس 2 ربيع الأول (1 ديسمبر)، مبادرة “دليل التعايش”، وهي وثيقة علمية متنوعة ومحكمة وفق الضوابط الشرعية، مشتقة من مصادر العلوم الشرعية الصحيحة، وتهدف الى بناء الشخصية السوية الوسطية، للوصول إلى كافة فئات المجتمع.
حيث يحمل التعايش في زمننا المعاصر الكثير من ملامح حياة الناس وتعاملاتهم في مختلف ضروب الحياة: الدينية، والاجتماعية، والسياسية، خصوصاً مع ظهور كثير من الشبهات والإشكاليات المثارة في هذا الجانب، وما يرافقها من حملات “غير منصفة” موجَّهة نحو الإسلام والمسلمين عموماً ، وهو ما يتطلب توثيق التعايش المجتمعي.
لذا وجب الانتباه إلى تكوين “دليل علمي” من أجل تحقيق التعايش المجتمعي، وهذا ما ستفرزه هذه الوثيقة العلمية المنتظرة عبر هذه المبادرة المهمة التي يتبناها مركز الحوار الوطني ، وحيث تعتبر مبادرة توثيق التعايش المجتمعي من أهم المبادرات في هذا الصدد .
التأصيل العلمي والشرعي
تحتاج مبادرة توثيق التعايش المجتمعي كثيراً إلى جهود العلماء، لذا سيكون أكبر ارتباطها بالمبادرة الأولى “تواصل” الخاصة بهيئة كبار العلماء، من أجل التأصيل العلمي والشرعي لمسألة التعايش المجتمعي، خصوصاً أن مسائل التعايش والتعدُّدية تحمل الكثير من المغالطات، خصوصاً في المجتمعات التي يتعدد فيها أصحاب الديانات المختلفة أو المذاهب المختلفة داخل الدين الإسلامي، وهذا ما يحدث في الكثير من الدول الإسلامية.
ولنا أن نعلم أن الإسلام لم يرفض حق الاختلاف، حيث أن مسائل الدين ليست واحدة، وهذا يبرز منذ صدر الإسلام من خلال فهم الصحابة للنص. لكن هناك ما هو مقبول، وما هو مرفوض في الخلاف، وهذا هو شأن التأصيل الشرعي المطلوب من خلال مبادرة “دليل التعايش”.
أول وثيقة تعايش في الإسلام
ويثبت التاريخ الإسلامي أنه عندما هاجر الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة المنورة، كان من أولى اهتماماته بعد بناء النبوي، المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وهذه وثيقة تعايش عملية، ثم وضع صحيفة معاهدة مع اليهود الذين كانوا يسكنون المدينة آنذاك، وهذه وثيقة تعايش مكتوبة تعد الأولى في الإسلام.
وكانت تلك الوثيقة تدل ما ينشده رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بشأن التعايش السلمي في إطار المجتمع الواحد، من خلال تحديد علاقات الأطراف ببعضها، حيث كانت مواد صحيفة المعاهدة مع اليهود مترابطة وشاملة، وتصلح لعلاج الأوضاع في المدينة المنورة حينذاك، إذ تكفل قواعدها مبادئها تحقيق العدالة والمساواة بين البشر على مختلف ألوانهم ولغاتهم وأديانهم.
وفي هذا الإطار قال المفكر الإسلامي، الدكتور محمد سليم العوا: تزال المبادئ التي تضمنها الدستور في جملتها معمولاً بها، والأغلب أنها ستظل كذلك في مختلف نظم الحكم المعروفة إلى اليوم.. وصل إليها الناس بعد قرون من تقريرها في أول وثيقة سياسية دوَّنها الرسول صلى الله عليه وسلم.