معارف

القوة التي لا مثيل لها عبر التاريخ وحتى اليوم!

“إننا نحكم الرجال بالكلمات”. 

                       * نابليون”

تميزت الكلمات، منذ فجر الحضارات، بهالة من الغموض والسحر والقوة. وكان ظهور أول شكل من أشكال الكتابة (الكتابة المسمارية) في الشرق الأدنى، في حضارة ما بين النهرين، بسبب رغبة الحكام في الاحتفاظ بسجلات دقيقة للضرائب المستحقة للدفع والأشخاص الذين قاموا بدفعها، والسجلات الخاصة بدواوين الدولة، مثل تلك التي تختص بكميات الحبوب المخزنة وطرق توزيعها.

وفي مصر القديمة كان الكهنة هم “حفظة الكلمة” وكانوا يحاولون الاحتفاظ بفن القراءة والكتابة كسر من الأسرار، لأن قيامهم بذلك قد منحهم قوة هائلة في التلاعب بأساليب المعارف وبالشعب. واستمر هذا الأمر لأربعة آلاف سنة، حيث قام القادة في جميع المجتمعات بالاحتفاظ بهذه القوة الخاصة لأنفسهم، فأخذوا يتحاورون مع بعضهم البعض بشفرات سرية تحتوي على أكثر الألفاظ جزالة وأبرع أساليب الكتابة، بينما ظلت استجابة العامة والجهلاء لهم تشوبها الرهبة والخرافة والإحساس بالخوف مما قد تحمله هذه الكلمات من قوة وسيطرة عليهم.

إن هذه القوة تمثل قوة السيطرة على مصادر المعرفة، وقوة الإقناع، وقوة الإلهام والحث، وقوة السحر والأخذ بالألباب، وقوة التحكم والسيطرة والقيادة. وبمعنى آخر، إنها القوة التي تؤثر على العقل الإنساني.

ومنذ زمن ليس ببعيد، في عصر النهضة الأوروبية European Renaissance، أثناء حكم الملكة “إليزابيث” الأولى، ووقت ظهور الأعمال الرائدة لـ “شكسبير”، كان لا يزال، وهو الشيء الذي يدعو للدهشة، سوى عدد قليل من الأشخاص هم من يستطيعون القراءة أو الكتابة. وقد بينت سجلات الدولة أن معظم الشباب في هذه الفترة لم يكونوا يوقعون على عقود الزواج بأسمائهم، ولكن بأختامهم الخاصة.

وكان ينظر عامة الناس للقدرة على القراءة برهبة، وإلى هؤلاء الذين يتمتعون بهذه القدرة بأنهم غالبًا ما يشتغلون بأحد أنواع السحر، وأن هؤلاء الذين يستطيعون القراءة، على وجه العموم، يقدرون على القيام بالسحر.

ولذلك كان المنطق الذي يحكم هذه العقول الجاهلة والخائفة يقول بأن من يقدر على القراءة والتهجي يمتلك قدرة على السحر وإيذاء الآخرين والتحكم في حياتهم بأسلوب خفي وغامض. ولأن كلمة “Spell” التي تعني “تهجى” يمكن أن يكون لها معنى آخر، وهو “تعويذة سحرية” كان الاعتقاد السائد أن من يمتلك هذه المعرفة التي لا يتقنها سوى خاصة الناس، يستطيع أن يستخدم الكلمات لتكون “تمتمات سحرية” يلقي بها على من حوله! وكان هذا كل ما حاولوا إثباته!

وكلمة “glamour” هي الأخرى لها قصة اشتقاق مثيرة وممتعة.

ففي القرن السابع عشر كانت اللغة السائدة فيما بين المثقفين والمتعلمين هي اللغة اللاتينية. وقد حاولوا استغلال هذه القدرة على الكتابة والتحدث بها في إحكام قبضتهم وسيطرتهم على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسيادة السياسية.

  • قوة الذكاء الكلامي 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
ابدأ المحادثة الان
تحتاج مساعدة؟