معارف

لماذا نحب المال حبّا جمّا؟!

من طبيعة التدين تنمية حساسية الناس نحو الخروج على القيم والمبادئ السامية ؛ ولهذا فإن المسلم حين يقع في معصية ، أو يقع منه عدوان على أحد من الناس ، فإنه يشعر بالضعف وشيء من الندم وإن لم يحدث توبة . والحقيقة أن الناس ، على نحو عام ، مفطورون على السعي إلى تحقيق مصالحهم مع أقل قدر من الخروج على مبادئهم ، ولا نستثني أحداً ، حتى اللصوص ؛ فإنهم حين يدخلون بيتاً بقصد سرقة مال أو حلي أو متاع ، فإنهم إذا حصلوا على ذلك لم يعمدوا إلى القتل ؛ لأنه يشكل في نظرهم خروجاً على المبدأ من دون أي مسوغ ، وفي المقابل يكون كثير من الناس مستعدين لارتكاب الجرائم الكبرى حين يجدون أنفسهم مهددين بخطر كبير ، أو يوضعون في ظروف معيشية قاسية جداً ، وفي هذا السياق فإن جزءاً مهماً من إدارة العنف يكمن في العمل الدؤوب من قبل الدولة ومن قبل الناس على توفير الحد الأدنى من الكفاية المعيشية وشيء من الرفاهية ، وذلك حتى لا تتكون أو تظهر أمراض الاستئساد والخوف والخنوع من أجل الدفاع عن الوجود ؛ حيث إن الإنسان حين يجوع يتحول إلى وحش كاسر ، بل أشد ؛ لأن الوحوش إذا شبعت كفت عن الافتراس ، أما الإنسان فإن الجوع يعلمه الافتراس الذي لا ينساه ولو تحققت له الكفاية . وهناك من الناس من إذا جاع تحول إلى ذليل يقدم كل التنازلات في سبيل الحصول على ما يقيم الأود ، وفي الحالتين يفقد الناس ما يجعل منهم بشراً أسوياء !

وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة ، وأعوذ بك من أن أظلم أو أَظلم ” ، وصح عنه أنه قال : ” اللهم إني أعوذ بك من الجوع ؛ فإنه بئس الضجيع ، وأعوذ بك من الخيانة ، فإنها بئست البطانة” ، وصح عنه أنه قال : ” اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ” .

شيء آخر يثير التعانف ، هو الازدحام على المال من أجل تحقيق الذات ، وأقول ابتداء : إن عصر الأشياء المجانية قد انتهى حتى الماء والهواء النقيان سوف يجد الناس أنفسهم مضطرين إلى شرائهما ، أضف إلى هذا أن وسائل الدعاية والإعلان تصور للناس أن السعادة شيء يمكن الحصول عليه من خلال المال ، بل تصور لهم أنه لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال المال ، وهذا دفع الشباب – على نحو أخص – إلى محاولة الحصول على أكبر قدر من المال بأي طريق كان ، وهذا شيء يدعو إلى الأسى !

علينا أن لا ننسى أن الخوف من المستقبل ، وما يمكن أن تأتي به الليالي والأيام ، ظل على مدار التاريخ يحرض الناس على الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من المال ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ” لو كان لابن آدم وادِ من مال لابتغى إليه ثانياً ، ولو كان له واديان لابتغى لهما ثالثاً ،ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب “.

إن المال يظل يثير التعانف ؛ لأن المطلوب منه سيظل أكبر من المعروض ، ويخفف من الآثار السلبية لهذه الوضعية القيود والآداب والتوجيهات الشرعية في اكتساب المال وإنفاقه ، لكن هناك شيئاً آخر يستحق الاهتمام ؛ وهو أن المال ليس وسيلة لقضاء الحاجات فحسب ، ولكنه وسيلة لتحقيق الذات وشراء الوجاهة ، ويشتد الطلب على المال من أجل تحقيق ذلك حين يكون المجتمع فقيراً في الأنشطة الدعوية والأدبية والاجتماعية .

إن الانسان مفطور على السعي إلى الشعور بالامتلاء والغنى الداخلي ، والمصدر الأساسي لذلك هو إحساس المرء بالإنجاز والعطاء غير المشروط والتضحية من أجل الآخرين .. ويؤسفني القول : إن المجتمعات الإسلامية باتت من أفقر مجتمعات العالم في الأنشطة الخيرية والأدبية والاجتماعية مع أننا نملك أعداداً كبيرة جداً من الشباب الراغب في العمل من أجل الصالح العام ، ولكن انشغال الكبار بجمع الثروة إلى آخر لحظة في حياتهم حرم أولئك الشباب ممن يوجههم ويقودهم للقيام بأنشطة ومشروعات تعود بالنفع على العباد والبلاد !

في كثير من الدول يقوم من يمكن أن نسميهم بـ ( الشخصيات العامة ) ومن حققوا شهرة اجتماعية واسعة .. يقوم هؤلاء بتأسيس الكثير من الأعمال الخيرية بعد إحالتهم للتقاعد ، وتجد أنهم يبدؤون دورة جديدة في الحياة ، مستثمرين شهرتهم ووجاهتهم في جمع الأموال لصالح مشروعاتهم الخيرية ذات النفع العام ..؛ فهل نستطيع أن نتعلم منهم درساً في هذا الباب ؟

*المصدر: كتاب حياة مجتمع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
ابدأ المحادثة الان
تحتاج مساعدة؟